محمد عبدالقادر يكتب.. “مؤتمر ميونخ”.. “اختراقات مفضل” و”هزيمة المليشيا”..

ما كان للسودان أن يكسر طوق العزلة، وينهي مغامرات اختطافه كدولة في ظل هذه الحرب اللعينة إلّا بتفعيل حراك الدبلوماسية الأمنية التي قادها بحنكةٍ واقتدارٍ سعادة الفريق أول أحمد إبراهيم مفضل، مدير جهاز المخابرات العامة السوداني.

مفضل نجح بامتياز في إنشاء جسر بين بلادنا والعالم مع غيابٍ وانزواء مسارات الدبلوماسية الرسمية بعد مغادرة البعثات الأجنبية وغياب سفرائها بأمر الحرب.

الدبلوماسية الأمنية فعل اختراق ناعم ينشط بفاعلية في أوقات الحروب، ويتجاوز الفعل الدبلوماسي المغيّب بأمر الظروف ليملأ الفراغ ويصنع الفارق عبر القنوات المخابراتية وحراكها المُفضي إلى استعادة التواصل مع الخارج (الفاعل التارك) في مسرح تحريك وصناعة الأحداث.

 

في هذه الأيام يقطف السودان ثمار حراك مخابراته الناجح عبر مشاركة فاعلة في “مؤتمر ميونخ للأمن”، أكبر حدثٍ على مستوى العمل المخابراتي في العالم.

السودان، وبمشاركته في “مؤتمر ميونخ”، يقتحم أوروبا من بوابة الدبلوماسية الأمنية بوفدٍ يقوده الفريق أول أحمد إبراهيم مفضل، مدير جهاز الأمن والمخابرات، ووزير الخارجية علي يوسف الشريف.

 

وجود السودان في هذا المؤتمر يشكل نقطة فارقة في مسارات العمل الدبلوماسي عبر واجهة الأمن المُدّخر لمثل هكذا ظروف، ويعبّر بجلاء عن وجود حكومة السودان مع “الكبار”، ويشير إلى نجاحها -وعبر “الدبلوماسية الأمنية”- في حجز مقعدٍ متقدّم لبلادنا بين قائمة الدول المهمّة والمطلوبة والمعنية بحفظ الاستقرار وإشاعة السلام في العالم.

 

المؤتمر العالمي الذي ينعقد في دورته الـ(61) بدأ أعماله الجمعة ويختتمها اليوم الأحد، ويبحث قضايا الدفاع والأمن القومي العاجلة، ويُعتبر أكبر ملتقى لأجهزة المخابرات ذات الخصوصية المطلوبة لتحديد ووضع أطر العلاقات بين الدول عبر عقد اللقاءات بين أجهزة مخابراتها لمعالجة الخلافات السياسية والأمنية. في “مؤتمر ميونخ” تلتقي أجهزة المخابرات ووزراء خارجية الدول بتفويضات واسعة لمعالجة الأزمات وتنشيط الحوار.

 

مشاركة السودان في حد ذاتها تُعدّ إنجازاً كبيراً، لأنها جاءت تتويجاً لحراكٍ متصل عكف عليه الفريق أول مفضل بتفعيله للدبلوماسية الأمنية مع أوروبا، خاصة دولتي إيطاليا وفرنسا تحديداً، التي زار مبعوثها بورتسودان مؤخراً واتخذ موقفاً واضحاً من الحرب عندما أعلن أنه سيجتمع بالقوى السياسية كافة باستثناء الدعم السريع.

 

أبرز رسائل الدعوة التي تسلمها السودان تؤكد أن جهاز مخابراته بات فاعلاً في أحداث الاختراقات المطلوبة على الصعيدين الإقليمي والدولي، وأن الحكومة القائمة قد تكاملت عندها صفات الشرعية، وأنها تحظى باعتراف دولي، وأن العالم لديه القابلية للاستماع إلى الطرف الأصيل في إدارة الشأن الوطني بما يقطع الطريق أمام أي محاولات لإعلان “حكومة موازية”، ويشيع أحلام المليشيا في إيجاد موطئ قدم تستطيع أن تخاطب عبره المجتمع الدولي.

 

المشاركة في المؤتمر تشير كذلك إلى أن السودان، في ظل ظروف الحرب المدمرة، أحدث اختراقاً كبيراً على جبهة العلاقات الدولية، وهو يقترب من إنهاء الحرب لصالح الدولة ومؤسساتها الرسمية المعتمدة لدى العالم. وتؤكد -أي المشاركة- أن الفريق أول مفضل نجح في إنجاز مهام سابقة أهلت جهاز المخابرات لأن يكون ضمن المدعوين لحضور المؤتمر، وأنه عبر بالبلاد مرحلة العزلة التي أراد التمرد أن يقمحه فيها بتنفيذه لأجندة الدول المعادية وفي مقدمتها الإمارات وتشاد.

 

وجود السودان في المؤتمر يعني أنه اخترق جمود العلاقات مع أوروبا وأحدث تشبيكاً سيفضي إلى تواصل دبلوماسي وسياسي يقود لعزل المليشيا وتصنيفها ووضعها في قوائم العالم السوداء.

وجود السودان في قلب الحدث العالمي يؤكد أن أوروبا تحديداً ابتعدت عن المليشيا واقتربت أكثر من الحكومة الشرعية، وأن قراءات المشهد تقول إن المجتمع الدولي بات يعلم مآلات الحرب القادمة بعد أن رجحت التطورات الأخيرة كفة الجيش، وأنه يحترم كذلك مؤسسات الدولة القائمة.

 

سيكون السودان موعوداً بقطف ثمار هذه المشاركة المهمة، خاصة وأن بلادنا على أبواب التحرير. هناك لقاءات وتفاهمات حدثت ربما لم يتم الإفصاح عنها لأنها تنطوي على حساسية عالية، غير أنها ستشيع المليشيا وأحلام الحكومة الموازية، وستعجل بإنهاء الحرب، وقلب الطاولة على مخططات الساعين لاختطاف السودان وعزله. ستفتح المشاركة آفاقاً جديدة، تضع مرحلة ما بعد الحرب وإعادة ترتيب العلاقات الدولية هدفاً لدبلوماسيتنا الأمنية.

 

شكراً سعادة الفريق مفضل وجهاز المخابرات، فقد أبليتم بلاءً حسناً في ميدان المعركة والدبلوماسية، ونلتم تقدير واحترام الشعب السوداني.

أقرأ أيضًا
أكتب تعليقك هنا