تحولات العلاقات الإيرانية الإسرائيلية في ظل حرب 12 يوم ..
كتبه : محمد موسى

تحولات العلاقات الإيرانية الإسرائيلية في ظل حرب 12 يوم ..
كتبه/
محمد موسى
اندلعت الحرب بين إسرائيل وإيران في 13 يونيو 2025 واستمرت 12 يومًا، لتسجّل واحدة من أعنف المواجهات المباشرة بين البلدين. وقد شكّلت هذه الحرب ذروة تصعيد طويل الأمد، جاء نتيجة تراكمات من التوترات والصراعات غير المباشرة التي امتدت على مدى سنوات، وانتهت بانفجار مواجهة عسكرية شاملة. تاريخياً، كانت العلاقات بين إسرائيل وإيران ودية للغاية حتى استيلاء الثورة الإسلامية بقيادة آيات الله على السلطة في طهران عام 1979. وبالرغم من معارضة إيران لخطة تقسيم فلسطين التي أدت إلى إنشاء دولة إسرائيل عام 1948، فإنها كانت ثاني دولة إسلامية تعترف بها، بعد مصر.
في ذلك الوقت، كانت إيران مملكةً يحكمها (شاهات) سلالة بهلوي 1925 – 1979، وأحد أبرز حلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط. لذلك، سعى مؤسس إسرائيل وأول رئيس وزراء لها، ديفيد بن غوريون، إلى كسب صداقة إيران، وحصل عليها، كوسيلة لمواجهة رفض جيرانها العرب للدولة اليهودية الجديدة.
في عام 1979، أطاحت ثورة روح الله الخميني بالشاه وأقامت جمهورية إسلامية قدّمت نفسها حاميةً للمظلومين، وكان رفضها “للإمبريالية” الولايات المتحدة وحليفتها إسرائيل، من أبرز سماتها المميزة. قطع نظام آيات الله الجديد علاقاته مع إسرائيل، وتوقف عن الاعتراف بصحة جوازات سفر مواطنيها، واستولى على السفارة الإسرائيلية في طهران، وسلمها لمنظمة التحرير الفلسطينية، التي كانت آنذاك تقود النضال من أجل دولة فلسطينية ضد الكيان الصهيوني.
إيران الجديدة أرادت أن تُبرز نفسها كقوة إسلامية عالمية، ودافعت عن القضية الفلسطينية ضد إسرائيل، التي تخلت عنها الدول العربية والإسلامية. وهكذا، بدأ الخميني يزعم أن القضية الفلسطينية قضيته، وأصبحت المظاهرات الحاشدة المؤيدة للفلسطينيين، أمرًا شائعًا في طهران.
إن العداء تجاه إيران في إسرائيل لم يبدأ إلا في وقت لاحق، في تسعينيات القرن العشرين، لأنها كانت تُنظر إليها في السابق على أنها تشكل تهديداً إقليمياً أكبر من العراق في عهد صدام حسين. لدرجة أن الحكومة الإسرائيلية كانت أحد الوسطاء الذين مكّنوا ما يُسمى ببرنامج إيران-كونترا، وهو البرنامج السري الذي حوّلت الولايات المتحدة من خلاله أسلحة إلى إيران لاستخدامها في حربها ضد العراق المجاورة (1980-1988). لكن مع مرور الوقت، بدأت إسرائيل تنظر إلى إيران كأحد التهديدات الرئيسية لوجودها، وتحول التنافس بين الطرفين من أقوال إلى أفعال.
وهكذا، انتشرت شبكة من المنظمات المتحالفة مع طهران مثل حزب الله اللبناني. وشبكة أطلقت عليها اسم “محور المقاومة”، تمتد عبر لبنان وغزة والعراق واليمن وسوريا. وقد عانت هذه المجموعة من الحلفاء من انتكاسات شديدة خلال العام ونصف العام الماضيين مع سقوط حكومة بشار الأسد في سوريا وضعف حماس وحزب الله في حربي غزة ولبنان.
لم تقف إسرائيل مكتوفة الأيدي، فتبادلت الهجمات والأعمال العدائية مع إيران وحلفائها، غالبًا في دول أخرى تُموّل فيها وتدعم جماعات مسلحة تُقاتل المسلحين الموالين لإيران. ووُصفت المواجهة بين إيران وإسرائيل بأنها (حرب الظل) لأن كلا البلدين هاجم الآخر دون أن تُقرّ أيٌّ من الحكومتين رسميًا بتورطها. وكان هاجس إسرائيل الراسخ هو إحباط البرنامج النووي الإيراني ومنع آيات الله من امتلاك أسلحة نووية.
إن إسرائيل لا تصدق مزاعم إيران بأن برنامجها مخصص للأغراض المدنية فقط. كما أن أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية، بالتعاون مع الولايات المتحدة، هي التي طورت فيروس الكمبيوتر ستوكسنت، الذي تسبب في أضرار جسيمة للمنشآت النووية الإيرانية في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.
الامر الذي أدى لاتهام طهران الاستخبارات الإسرائيلية بالمسؤولية عن الهجمات التي استهدفت بعض كبار العلماء المسؤولين عن برنامجها النووي. واتهمت إسرائيل، إلى جانب حلفائها الغربيين، إيران بالوقوف وراء هجمات سابقة بطائرات مسيرة وصواريخ على أراضيها، بالإضافة إلى تنفيذها عدة هجمات إلكترونية.
لقد شكّلت الحرب الأهلية الدائرة في سوريا منذ عام 2011 مصدرًا آخر للصراع. وتشير تقارير استخباراتية غربية إلى أن إيران أرسلت أموالًا وأسلحةً ومدربين لدعم قوات الرئيس بشار الأسد ضد المتمردين الساعين للإطاحة به، مما أثار قلق الحكومة الإسرائيلية، التي كانت تعتقد أن سوريا المجاورة كانت أحد الطرق الرئيسية التي أرسل الإيرانيون من خلالها أسلحةً ومعداتٍ إلى حزب الله في لبنان.
في أعقاب الهجمات التي شنتها ضد إسرائيل في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 والهجوم العسكري الضخم الذي شنه الجيش الإسرائيلي في غزة رداً. أعرب المحللون والحكومات في جميع أنحاء العالم عن قلقهم من أن الصراع قد يؤدي إلى سلسلة من ردود الفعل في المنطقة، ومواجهة مفتوحة ومباشرة بين الإيرانيين والإسرائيليين.
حتى أبريل/نيسان 2024، تجنبت كل من إيران وإسرائيل تصعيد الأعمال العدائية والقتال واسع النطاق. لكن هذا الوضع تغير بإطلاق طهران عشرات الطائرات المسيرة والصواريخ على إسرائيل في ذلك الشهر. جاء ذلك ردًا على الهجوم الإسرائيلي على مقرها الدبلوماسي في دمشق، والذي أسفر عن مقتل 13 شخصًا، من بينهم بعض أبرز المسؤولين الإيرانيين، مثل اللواء محمد رضا زاهدي في الحرس الثوري ونائبه هادي حاجي هاجري همي. ثم وعدت وزارة الخارجية الإيرانية “بمعاقبة المعتدي”. وأعلن سفيرها في سوريا، حسين أكبري، أن الرد سيكون حاسماً، حدث ذلك في 13 أبريل/نيسان. ردّت إسرائيل بهجوم آخر على الأراضي الإيرانية في 19 أبريل/نيسان. بعد إطلاق إيران صاروخًا على إسرائيل في 1 أكتوبر/تشرين الأول 2024، والهجوم الإسرائيلي بعد أسابيع، وصلت التوترات إلى ذروتها مجددًا. إلا أن الهجوم الإسرائيلي الذي شُنّ في 13 يونيو/حزيران، وما تلاه من دعم أمريكي، رفع هذا التنافس إلى مستويات غير مسبوقة، بنتائج غير متوقعة.
دخلت المواجهات المباشرة في 13 يونيو 2025، عندما شنت إسرائيل هجومًا جويًا واسع النطاق، استهدف علماء نوويين وقيادات من الحرس الثوري الإيراني، ومنشآت نووية ومراكز لإطلاق الصواريخ، بالإضافة إلى مقرات تابعة للحرس الثوري والأمن الداخلي الإيراني في طهران، من بينها مقرا “ثأر الله” و”البرَز”. كما طالت الغارات البنية التحتية المؤدية إلى منشأة “فوردو” النووية، ووصل القصف حتى مبنى الإذاعة والتلفزيون خلال بث مباشر.
في المقابل، ردّت إيران بهجمات صاروخية مكثفة استهدفت مناطق وسط إسرائيل مثل تل أبيب، ما أسفر عن دمار واسع في البنية التحتية. إلى جانب فرار آلاف السكان إلى الملاجئ. وقد أصابت الصواريخ مواقع استراتيجية، منها مقر القيادة العسكرية في “الكرية”، ومعهد وايزمان، وقاعدة “نيفاتيم”، ومرافق حيوية في ميناء حيفا، مما تسبب بتصاعد أعمدة الدخان لساعات طويلة.
طلب رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو تدخلًا عسكريًا أميركيًا عاجلًا باستخدام قاذفات B-2 المزودة بقنابل خارقة للتحصينات. وفي ظل محاولات دبلوماسية أوروبية وإسلامية لاحتواء الأزمة، شنت واشنطن فجر الأحد 22 يونيو 2025، ضربة جوية مركزة على مفاعلات نووية إيرانية في أصفهان ونطنز وفوردو، ما أدى إلى انفجارات كبيرة. عقب الهجوم، أشاد ترامب بطياريه واصفًا إياهم بأبطال الأمة.
بعد اثني عشر يومًا من القتال بين إيران وإسرائيل، أُعلن عن التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار برعاية الرئيس الأميركي دونالد ترامب. وقد قبلت إسرائيل بالمبادرة الأميركية، رغم تهديد رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو باستئناف الهجمات إذا حاولت إيران إعادة بناء برنامجها النووي، مشيرًا إلى أن بلاده حققت معظم أهدافها العسكرية.
من جانبها، أعلنت طهران التزامها بوقف إطلاق النار واعتبرت نفسها المنتصرة في هذا النزاع، مؤكدة أن إسرائيل فشلت في تحقيق أهدافها، وأن إيران لن تنتهك الهدنة ما لم تُخرق من الجانب الإسرائيلي. في السياق ذاته، صرّح وزير الدفاع الأميركي بأن واشنطن نجحت في تدمير القدرات النووية الإيرانية بالكامل. ترافق هذا التطور مع تصاعد الدعوات الدولية لاستئناف المفاوضات، بهدف التوصل إلى تسوية سياسية دائمة تضمن عدم تكرار الصراع بين الطرفين.
abdellehm@gmail.com
+97466619405

