تفاصيل خطاب “مالك عقار” أمام تنسيقية القوى الوطنية

رصد : الجمهورية نيوز

تنشر الجمهورية نيوز كلمة مالك عقار نائب رئيس مجلس السيادة أمام المؤتمر العام لتنسيقية القوى الوطنية الذى انعقد الاثنين ببورتسودان, نص الخطاب

 

الحضور الكريم

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته

 

اليوم أخاطبتكم في تدشين المؤتمر العام لتنسيقية القوى الوطنية. ولكنني ارغب في ان تتجاوز النقاشات في هذا المؤتمر مجرد الاجواء الاحتفالية، ولهذا سيكون حديثي معكم مباشرا وصريحا و بلا مجاملات مركزا علي ما نحتاج الي معالجته من جراح الماضي للمضي الي الامام في الطريق نحو المستقبل .

اولا: التجربة السياسية السودانية منذ الإستقلال

ظلت الحروبُ هي السِمة المُميزة للتاريخ السياسي لسودان ما بعد الاستقلال، ولم يُلجِمها حتى انفصال الجنوب في 2011. ترجع الدوافع الرئيسة والأسباب الجوهرية لهذه الحروب إلى الاختلال الهيكلي في دولة ما بعد الاستقلال التى اخفقت في مخاطبة القضايا التأسيسية والمباديء الدستورية وأُسس بناء دولة المواطنة السودانية.

فمنذ الاستقلال وضح جلياً أن القوى السياسية والكيانات المجتمعية السودانية لم تتوافق على صيغة دستورية واضحة لإدارة السودان، تُعيد تعريف المؤسسات التي تتولى إدارة السلطة والموارد نيابة عن الشعب، وكيفية تمثيل قومياته في هذه الإدارة. وبالتالي قامت حكومة الاستقلال على أساس دستور المستعمر نفسه على أمل أن تقوم بصياغة دستور دائم يخاطب قضايا التأسيس، وتتوافق عليه كل القوى والكيانات التي تُمثِل شعوب و قوميات السودان.

أفضى الفشل في التوافق على هذه القضايا إلى نشوب المقاومة المسلحة الأولى في إقليم جنوب السودان قبل إعلان الاستقلال في 1956، وإلى تمدّدِ واتساعِ رقعة الحرب جغرافياً لتعَمّ غرب وجنوب غرب وشرق وجنوب شرق السودان. تتجلى هذه القضايا التأسيسية علي سبيل المثال في شكل ونظام الحكم (خاصة العلاقة بين المركز والأقاليم، قِسمة السلطة والموارد، تعريف المؤسسات السلطوية (الجيش والقوات النظامية)، العلاقة بين الدين و الدولة، الهوية، النمط التنموي، والعلاقات الخارجية.

ثانياً: التجربة الحديثة

نجح نضال شعبنا في كافة الجبهات و بمختلف الوسائل سواءً العمل السلمي الجماهيري او الكفاح المسلح او الضغط الدُبلماسي في خلع نظام الإنقاذ ونجحت ثورة ديسمبر بتلاحم كافة فئات الشعب بمختلف نضالاتهم في الخلاص والانعتاق من قبضة حكم الإنقاذ، ولكن مضاعفات الامراض التي اصابت البلاد خلال فترة ثلاثين عام من حكم الفساد والاستبداد، لم تنتهي. وظهرت اثار هذه الامراض واضحة في صراع السلطة الذي اندلع بين حلفاء الامس الحرية والتغير المركزي بعد الثورة. وظهرت اقبح الممارسات السياسية التي لا يحركها الا شبق السلطة وشهوة الحكم، فشهدنا اغتيال الشخصيات، والكذب والتزوير وبيع الاوهام للجماهير، ومحاولة تسخير شعارات الثورة واحلامها النبيلة لخدمة اجندات ذاتية وخارجية.

بل اصبحت العمالة للخارج وخداع الجماهير والتنافس على الكراسي هي ديدن الممارسة السياسية خلال الفترة الانتقالية. والسعي للسلطة ليس عيبا فهو سبب وجود التنظيمات والاحزاب السياسية ولكنه لا يمكن ان يكون بدون رؤية او برنامج، والاسوأ من ذلك، هو المزايدات الاثنية والجهوية التي يمارسها البعض سواء في التنظيمات والتحالفات السياسية او من قبل المليشيا المتمردة للحصول على نفوذ ووجود سياسي بدون افكار لخدمة الناس. وهو امر غير مقبول ولم يقف الامر عند السياسين بل شمل حتي بعض الفاعلين في منظمات المجتمع المدني .

ادت كل تلك المشاحنات، ورفض الاخر والانتقاص من حق الآخر في ان يكون آخر الي تزايد وطأة الاستقطاب المدني والصراع حول كراسي السلطة، وادت الازمة السياسية الي تغيير السلطة في ٢٥ اكتوبر ٢٠٢١، والذي ساهم في الازمة. وكنا مع آخرون قد اجتهدنا في ذلك الحين لمعالجة هذه الازمة والعودة السلسة لمسار التحول المدني الديموقراطي، وبالفعل ساهمنا في اعادة د.عبدالله حمدوك لرئاسة الوزراء. ولكن د. حمدوك خضع لابتزاز بعض الاحزاب السياسية التي طاردته بالشتائم والاساءات التي لم يستطع احتمالها فقدم استقالته وغادر البلاد الي الامارات، علماً بانها هي نفسها القوي السياسية التي تحاول إعادته اليوم، و التي وقع فريسة لشرورها منذ ذلك الحين. وكان ذلك مما فتح المجال للتنافس العسكري لمليشيا الدعم السريع التي رفضت الانخراط في عملية جادة للاصلاح العسكري، وقامت بعقد تحالفات سرية ومعلنة مع بعض الافراد والاطراف في تحالف الحرية والتغيير تمهيدا لمحاولتهم الانقلابية الفاشلة في 13 ابريل ٢٠٢٣.

والانقلابات هي واحدة من امراض الحياة السياسية في السودان، ولكن كانت و بإستمرار يقوم بها رجال عسكريون شجعان، ينجح انقلابهم فيذهبون الي القصر او يفشل فيذهبون الي الدروة. ولكن حميدتي ومرتزقة الدعم السريع واجندة العمالة التي تقود خطاهم و توفر الغطاء السياسي لهم ، يفتقرون الي اي شرف عسكري او اخلاق. فعندما فشل انقلابهم، ادخلو البلاد الي دوامة الحرب الشاملة التي نشهدها الان. وحاولوا ان يجدو تبرير لذلك بالادعاء بانهم يحاربون الفلول والاسلاميين. ودولة 56 لكن الحال يفضحهم فمن هم الفلول؟ حميدتي وطه عثمان وابراهيم الميرغني وحسبو عبدالرحمن الم يكُن هؤلاء هم الفلول الذين كانوا مع البشير؟.

 

ثالثاً : الحراك السياسي الراهن

بداءً اطلعت علي النظام الاساسي لتنسيقية القوي الوطنية المُجاز والذي جسّر الماضي و الحاضر ، هي رؤية عُصارة تجارب الانظمة السودانية احزابا كانت ام تنظيمات مجتمع مدني، ام انظمة عسكرية و تلك التجارب فيها الجوانب الايجابية والدليل وجود الدولة السودانية رغم انها تتهاوي وفيها جوانب سلبية وفشل في ادارة التنوع السوداني كما سبق. كل الاحزاب السياسية والانظمة العسكرية التي حكمت السودان شركاء في هذا الفشل كل يحمل وزرها مع تفاوت المدي الزمني والتنصل من مسببات الفشل والبحث عن الأسباب والعيب فينا . السؤال هل نقف فقط عند استبيان الفشل ام نتحرك للأمام لمعالجة الاختلال التراكمي بابتكار منهج علمي متفق عليه لتأسيس الدولة السودانية.

عندما بداءت اتحدث عن تاسيس الدولة اعتبرها اخرون بدعة، وخروج عن المألوف، رغم أنها لم تكن جديدة والا لماذا نادي الامام الصادق المهـــــــــدي ببناء الدولة الحديثة والشيخ الترابي بالدولة المتجددة (المشروع الحضاري) ود. جون قرنق (السودان الجديد )،دولة المواطنة بلاتمييز، كلها عبارات تنبي عن ان هنالك خلل ما يوجب معالجته

و اقول للذين يقاومون مشروع تاسيس الدولة يُسوقون الي الإبقاء علي ما الفوه و ما وجدوا عليه آبائهم اولا كان آبائهم لا يعلمون . هولاء دون قصد يدعون الي تفكيك الدولة .

الرؤية التي توافقتكم عليها من مختلف تكويناتكم وخلفياتكم تحتاج الي تفعيل اليات تنفيذها بنفس الروح التوافقية ونفس روح الفريق الواحد تاركين خلفكم ديدن متلازمية التشاكش والتخاصم والتناحر واهدار الفرص.

هذا يتطلب الإجابة علي الاتي :

كيف تدار الدولة اثناء الحرب

كيف تدار بعد الحرب بمعني السؤال التقليدي كيف يحكم السودان.

تلك مهمتكم مع الاخرين.

انني اخاطبكم اليوم لاقول ان السودان يمر عبر كارثة وجودية، ولا مخرج من هذه الكارثة الي بالرجوع والالتزام بالثوابت الوطنية. وتشكيل اكبر جبهة وطنية للالتفاف حولها. فالجبهة الحالية تحتاج لتوسعة لتصبح اكثر شمولية و لن نسمح بتجاوز دولة القانون والمؤسسات ولن نسمح برفض الاخر وتجريم الاختلاف ولن نسمح بتسليم بلادنا لاستعمار من نوع جديد او من اي نوع اخر. اننا سنقول الان ما قاله اباء الاستقلال السوداني، بان السودان للسودانيين، كل السودانيين على اسس مواطنة بلا تمييز ولا اقصاء في مستقبل السودان القادم .

حفظ الله السودان و شعب السودان

والسلام عليكم ورحمة الله

مالك عقار أير

١١ نوفمبر ٢٠٢٤م

أقرأ أيضًا
أكتب تعليقك هنا