(عقدنا اتفاقاً) … الطاهر ساتي
:: يُحكى أن أحدهم أراد تعلم قيادة الطائرة، وبدلاً من الالتحاق بكليات الطيران ومعاهد التدريب، اشترى كتاباً عنوانه: (كيف تتعلم قيادة الطائرة بدون معلم؟)، ثم استأجر طائرة وطار بها حسب توجيهات الكتاب.. وظل يستمتع بالتحليق، وذلك بتنفيذ ما في الكتاب، حتى انتهت كل الصفحات ما عدا الأخيرة.. وعند الهبوط، فتح الصفحة الأخيرة، ووجد فيها عبارة (البقية في الجزء الثاني)، فأصبح مصيره فاجعاً..!!
:: وهكذا تقريباً لسان حال بعض كفاءات قوى الحرية التي تُدير مؤسسات الدولة.. فالسادة صعدوا – بتوجيهات كتاب قحت – إلى قيادة مؤسسات الدولة ومرافقها العامة، ثم جلسوا عليها وتمتعوا برواتبها وحوافزها، ثم أصبحوا من الذين نلقبهم بالمسؤولين.. ولكن عندما فتحوا صفحات الإدارة بذات الكتاب (كتاب قحت)، وجدوا فيها العبارة الشهيرة (البقية في الثورة القادمة)، فأصبح حال البلد (فاجعاً)..!!
:: وعلى سبيل المثال، المهندس هاشم بن عوف من الكفاءات المُختارة – بمعايير قِوى الحُرية – لإدارة قطاع النقل والبنى التحتية.. ويُقال إن هذا الوزير من الكفاءات، وقد يكون كذلك في عوالم الهندسة والسياسة، ولكن ليس في عالم الإدارة.. لقد تراجع عن قراره الوزاري (رقم 16)، والخاص بتعيين مدير إداري – بصلاحيات واسعة – للميناء الجنوبي التابع لهيئة الموانئ البحرية، وذلك قبل أن يجف مداده..!!
:: فلنقرأ حيثيات القرار وسبب التراجع عنه، بالنص: (كنا قد عقدنا اتفاقاً مع وزارة المالية، وأصدرنا قراراً أن يكون للميناء الجنوبي حرية الحركة في شراء وتأهيل الكرينات والآليات، لأنه التحدي الأكبر أمام تطوير أداء الميناء وتفعيله للوصول للمستويات العالمية، ولكن عند زيارتنا لبورتسودان واجهنا فهماً مخالفاً لرؤيتنا، وبعد التشاور مع إدارات هيئة الموانئ البحرية توصلنا إلى حتمية إيقاف العمل بالقرار)..!!
:: فالقرار خاطئ وغير مؤسسي ومخالف لنظم الإدارة بالوزارة والهيئة و(الدولة كلها).. إدارة الميناء الجنوبي لا تتبع – إدارياً – لوزارة النقل والبنى التحتية، ولا لمجلس الوزراء، بل تابعة لهيئة الموانئ البحرية، وهي واحدة من إداراتها.. والوزير لا يملك سلطة تعيين مدير إدارة بهيئة الموانئ، بل هذه سلطة مدير الهيئة، وهذه من الأبجديات التي يعرفها خُفراء الموانئ، فكيف لا يعرفها وزراؤها..؟؟
:: ثم تأملوا ما يلي: (كنا قد عقدنا اتفاقاً مع وزارة المالية أن يكون للميناء الجنوبي حرية الحركة في شراء وتأهيل الآليات)، هكذا.. بهذا الاتفاق، مع وزيرة المالية المكلف، فإن وزير النقل المكلف كاد أن يؤسس ميناءً آخر ومستقلاً تماماً عن هيئة الموانئ.. نعم، كاد أن يؤسس ميناءً جديداً، بدون قانون، وربما دون علم مجلس الوزراء.. فالوزير ابن عوف يجهل كيفية تأسيس المرافق العامة، وكذلك الوزيرة هبة محمد علي التي اتفقت معه على استقلالية الميناء..!!
:: وبعد كل هذه الكوارث، أي بعد قراره الكارثي باستقلالية الميناء الجنوبي، وبعد قراره الكارثي الآخر بتعيينه مدير الميناء الجنوبي، لم يعترف الوزير ابن عوف بخطأ القرارين الكارثيين، ولم يتراجع خوفاً من مخاطر مخالفته للقوانين والمؤسسية والنظم المعمول بها في إدارة مؤسسات الدولة، ولم يعتذر عن كل هذه المخالفات الكارثية.. وما تراجع عن القرارين إلا خوفاً من العاملين الذين غضبوا واعتصموا وأغلقوا مداخل الميناء..!!