وترجل فارس الاخبار ….شهيدا

منذ دخولي للاذاعة السودانية في تسعينات القرن الماضي لفت نظري احد السائقين ممن اعطاهم الله الابتسامة والضحك عنوانا لحياتهم وتعاملهم رغم ضغط العمل الاخباري وخصوصيته ، كان مسئولا عن عربة التغطية الاذاعية وهي الادارة المعنية عن تسجيل البرامج الخارجية واللقاءات السياسية والحفلات والمناسيات الرسمية والادبية والفنية ..يومها اخترت اذاعة القران الكريم لابدا حياتي الاذاعية بها ومنها تجولت في اذاعات السودان طولا وعرضا حتي استقر بي المقام في ادارة الاخبار والشئون السياسية والتي كنت بها ولازلت …

في مساء الجمعة الثالث عشر من ابريل 2023 غادرت مركزها بمباني الاذاعة بعد ان افطرت في مع الزملاء الذين يعملون في وردية الجمعة كعادتي كل يوم جمعة طوال الشهر الفضيل بعد ان افرغ من معالجة برنامج (مؤتمر اذاعي) الذي تبثه ادارة الاخبار صباحا وهو قد صار جزءا من حياتي تتغير ارتباطاتي الاجتماعية والاسرية ولا اغيب عنه ولا يتغير موعد حضوري مهما كانت الاسباب او المغريات بعد ان ارتبطت بالبرنامج لمدة قاربت الثمانية عشر عاما …غادرت مباني الاذاعة السودانية في ذلك المساء متوجها نحو منزلي بالخرطوم ويومها لاحظت التوتر بائن علي وجوه اوباش الدعم السريع ممن يقفون امام بوابة الاذاعة وهم ظلوا هناك لسنوات منذ قيام ثورة ديسمبر … لم القي للامر بالا فقد تعودنا علي تعاملهم السئ والعنيف الذي لايشبه اولاد البلد عكس افراد القوات المسلحة في شرق مباني الهيئة حيث ثكناتهم كانوا يبادلوننا التحية والسلام كلما مررنا بهم راكبين لعربات الاخبار او راجلين ونحن في طريقنا الي داخل او خارج الهيئة ليلا عند اغلاق المداخل والمخارج وهي سمة الطرق المؤدية لمباني الاذاعة والتلفزيون منذ العام 1989.

*اقول منذ دخولي الاذاعة وانااتلمس طريقي كطفل تم قبوله في السنة الدراسية الاولي اساس تعرفت علي عثمان محمد الطاهر الذي يكبرنا بسنوات وقد سبقنا كذلك الي العمل بالاذاعة كسائق اوكلت اليه امر الحركة والنقل في الاخبار والتغطية فعرف فنون العمل الاخباري من كثرة السنين التي قضاها وسط الإدارة وعامليها ومن تعدد الماموريات التي غطت كل بقاع السودان فكان يبدئ رايه في عملنا الاخباري زالسياسي بشئ من الدعابة والطرافة فنعرف انه يقصد ان يقومنا وان يرشدنا الي الطريق الصحيح .وهو الذي واكب فطاحلة الاخبار من حمزة الشفيع ومحمد خوجلي صالحين وعبدالوهاب احمد صالح وكمال محمد الطيب وعبدالرحمن احمد ونجم الدين محمد احمد ومحمد طاهر وورداني حمادة وحسب الرسول بانقا عليهم رحمة الله مرورا بمحمد الكبير الكتبي والزبير عثمان وازهري ابراهيم ومحمد زين محمد والطيب قسم السيد ومبارك خاطر ومحمد حمد النيل وغازي الفاتح وغيرهم وغيرهم أمد الله في اعمارهم

*كان عثمان الطاهر ينقلنا الي منازلنا عصرا لياتي لنا بعد ساعات قلائل لنرافقه لتغطية احدي المناسبات في قاعة الصداقة أو في أحدي الساحات أو القاعات المنتشرة في أنحاء الخرطوم أو أحدي دور الأحزاب السياسية ونحن الذين خلدنا للراحة والنوم لنبدأ مساءا جديدا وهو هو بملابس العمل التي فارقناه بها لم يذهب لمنزله أو حتي يطمئن علي أفراد أسرته وهو ديدن كل سائقي الإذاعة والتلفزيون ….فيفابلنا عثمان بكل اريحية وود وفرحة كانما الاحتفال او المناسبة خاصة به او باحد خاصته من غير ضيق او تضجر وكثيرا ماداعبته (انت الاحتفال ده او اللقاء ده حق ابوك جاييني بدري كده )فيتبسم ويضحك قائلا (الشغل ..الشغل) ويعود بنا للاذاعة في ساعة متأخرة من الليل ويرابط معنا حتي نفرغ من اعداد المادة الخبرية والتي يمكن ان تتجاوز الساعات الاولي من صباح اليوم التالي لتبث في فترة الاذاعة الاخبارية صباحا لمستمعينا وهي الفورية ودقة المتابعة التي اشتهرت بها الاذاعة واجادتها دون غيرها من اجهزة الاعلام .وعندما نأتي صباحا نجده يقهقه في مكان الشاي كانما قضي ليلته بين أفراد أسرته وهو الذي لم يخلد للراحة الا لساعة اوساعتين..

*ظل عثمان الطاهر يعمل بلا كلل ولاملل رغم قلة الراتب الذي يتقاضاه وهو راتب يعد الأقل اشتهر به أهل الإذاعة والتلفزيون وسط نظرائهم في المؤسسات الحكومية الأخري الي يومنا هذا ولا ندري الي متي؟ ظل دافعه حبه لهذا السودان ولصوته الاعلامي (هنا ام درمان).

*وعند اندلاع الحرب المفروضة علي بلادنا علمت من بعض الزملاء ان عثمان تقاعد للمعاش الا ان تواصله وارتباطه بالاذاعة واهلها لم بنقطع …حتي جاءنا الخبر المشئوم انه وعندما كان في طريقه قبل اشهر من قريته الوادعة في ريفي شندي الي ام بدة حيث يسكن متفقدا لمنزله .. توقف في احدي الارتكازا ت لعصابات الدعم السريع وبكل عفوية وطيب خاطر قدم لهم بطاقة الاذاعة السودانية بعد قاموا بتفتيشه ليسوقوه الي معتقلاتهم دون ذنب جناه ولعلهم وصفوه وقتها بالكوز والفلول وهذا مادرجوا عليه في احاديثهم الخاوية لتبرير قيامهم بالحرب .قادوه لزنازينهم التي تشهد في كل يوم وفاة احد المعتقلين من سوء للمعاملة ومنعا للعلاج وبالتعذيب .

*اليوم جاءنا النبأ رحل عثمان الطاهر شهيدا في المعتقل قبل عشرة ايام ولم يعلن الا اليوم بعد ان عاني من عدم توفر احتياجات مرض السكري الذي اصابه قبل فترة ليست بالقصيرة ..

*رحل عثمان الطاهر الي رب غفور وهو الذي لم ينتمي لحزب سياسي او جماعة بعينها يوما ما ليعتقل حتي الموت،كل ذنبه انه عمل لسنوات في اذاعة السودان التي غدر بها جنود المليشيا المتمردة حتي تم تطهيرها من رجسهم ودنسهم علي يد قواتنا المسلحة ..

*رحل عثمان الطاهر ليشكو هولاء التتار الذين تجردوا من ابسط صور الانسانية لرب عادل يقتص له حقه منهم يوم نقف جميعا أمامه وعندالله تجتمع الخصوم …

*رحل عثمان وبرحيله لابد من رسالة للقوات المسلحة ان تطلق لجامها وتبدا مرحلة التحرير الشامل في العاصمة والجزيرة وسنار والنيل الابيض وتخوم كردفان ودارفور وجنوب نهر النيل لتطلق سراح الالاف من المعتقلين ولتوقف معاناتهم وتعيد البسمة لاهلهم وزويهم بدلا من نصب سرادق العزاء في كل يوم حزنا علي رحيل احد المعتقلين…كفي موتا للاسري …كفي تعذيبا لرجال ونساء ليس لهم ذنب سوي ان حظهم العاثر اوقعهم في طريق هذه الطغمة الغاشمة من عصابات ال دقلو …

*اللهم ان عثمان الطاهر جاءك بصدر طيب وتعامل سمح يشكو جور هذه الفئة الباغية …اللهم اكرم نزله وارحمه وحاسبه بكرمك وعفوك لا بعمله وانزل علي قلب رفيقة دربه زوجته الزميلة سوسن ابراهيم الصبر والسلوان وعلي ابنائه محمد واسيل واجعل البركة فيهم ..انا لله وانا اليه راجعون..ولاحول ولاقوة الا بالله….

أقرأ أيضًا
أكتب تعليقك هنا