وديعة الملياري دولار.. بوابة لمعادلة سياسية واستراتيجية جديدة في السودان
متابعة - الجمهورية نيوز

وديعة الملياري دولار.. بوابة لمعادلة سياسية واستراتيجية جديدة في السودان
متابعة – الجمهورية نيوز- يبدو أن السعوديه تتحرك بخطوات محسوبة نحو السودان، ولكن هذه المرة عبر بوابة الاقتصاد. فالمصادر القريبة من دوائر القرار تؤكد أن المملكة بصدد تقديم وديعة دولارية للحكومة السودانية مطلع العام المقبل، بعد موافقة أمريكية غير معلنة. هذه الوديعة، التي قد تصل إلى ملياري دولار، من المقرر دفعها على أقساط تمتد من مارس حتى سبتمبر 2026، لكنها ليست دعماً مالياً مجرداً، بل مشروطة بتحولات سياسية جذرية داخل السودان.
الشروط ـ كما تكشفها المعطيات ـ تتعلق بضرورة بناء مصالحة مجتمعية داخلية تعيد ترميم النسيج الاجتماعي المنهك، إلى جانب إعادة صياغة الدبلوماسية الخارجية، خصوصاً في ملف العلاقة الشائك مع إثيوبيا. هنا تبدو السعودية حريصة على أن تقترن أي مساعدات مالية بخطوات سياسية واضحة تُسهم في خلق استقرار مستدام، لا مجرد حلول إسعافية قصيرة الأمد.
أما الولايات المتحدة، التي أعطت ضوءاً أخضر ضمنياً للتحرك السعودي، فهي لا تنظر بقلق إلى علاقة الخرطوم بروسيا، بقدر ما تتابع باهتمام تمدد النفوذ الصيني في أفريقيا، وخاصة على ضفاف البحر الأحمر. بالنسبة لواشنطن، الصراع الحقيقي في المستقبل لن يكون في ميادين النفوذ العسكري التقليدي، بل في أسواق التكنولوجيا الحيوية، وصناعة الرقائق الإلكترونية، وفضاءات الفضاء والدواء. هذه هي المعركة القادمة التي أعادت جائحة كورونا تذكير العالم بخطورتها.
وفي هذا الإطار، تدرك السعودية أن استقرار البحر الأحمر ضرورة استراتيجية لمشاريعها الاستثمارية الكبرى الممتدة من 2025 إلى 2055، حيث تطمح المملكة إلى بناء أسطول بحري ضخم وتوسيع نطاق التنقيب عن الغاز. هذا الطموح يجعل من السودان ـ بساحله الممتد لأكثر من 860 كيلومتراً، ومعظمه أرض بكر غير مستغلة ـ شريكاً أساسياً في معادلة البحر الأحمر الجديدة.
غير أن التطورات المتوقعة في العلاقات السودانية السعودية لن تكون مجرد شأن اقتصادي، بل ستنعكس على توازنات إقليمية أوسع. فمصر، على سبيل المثال، قد تجد نفسها أمام واقع جديد، حيث يتعاظم الدور السعودي في ضبط استقرار المنطقة، بما في ذلك التأثير غير المباشر على سعر صرف الجنيه المصري مقابل الدولار.
أما داخلياً، فإن السؤال الأبرز يظل حول مستقبل السلطة في السودان. فالتحالف السعودي الأمريكي، كما تشير المؤشرات، لا يرى في عودة الإسلاميين عقبة جدية أمام استمرار الدعم، بل يركز على ضمان بقاء الفريق أول عبد الفتاح البرهان في الحكم لفترة أطول. بل إن فكرة التمديد عبر ما يسمى “الاستفتاء الجماهيري” طُرحت بالفعل في أوراق المؤتمر الوطني سابقاً، ويبدو أنها تعود الآن للواجهة كخيار محتمل لتثبيت الاستقرار السياسي.
في المحصلة، يمكن القول إن وديعة الملياري دولار ليست مجرد دعم مالي، بل هي بوابة لمعادلة سياسية واستراتيجية جديدة في السودان، يلتقي عندها الاقتصاد بالسياسة، والمصالح الإقليمية بالتحولات العالمية. ويبقى البحر الأحمر هو كلمة السر التي تدفع الأطراف كافة إلى إعادة رسم ملامح المستقبل، حيث تتحول الخرطوم من ساحة أزمة إلى مركز اهتمام استراتيجي لا غنى عنه.

