محمد عبد القادر .. على كل / من (جدة) إلى (جنيف).. اتقوا الله في السودان وشعبه
تعلم قيادة البلاد أنّ الشعب السوداني لن يرضى بديلاً لاستئصال شأفة الجنجويد ومرتزقة عرب الشتات من السودان إلى الأبد.
الأنباء التي تتردّد عن إمكانية ذهاب جيشنا وحكومته للتفاوض في جنيف، تُؤرِّق مضاجع أهل السودان الذين يرون في (اتفاق جدة) حلاً يشفي صدورهم، ويعيد إليهم بعض عزتهم المسلوبة مع الأموال والأعراض والبيوت والمدن والقرى التي يقيم فيها الجنجويد الآن آمنين مطمئنين.. إلى حين إشعار آخر.
هم يخشون من أن تكون مفاوضات جنيف – وأنا أشاطرهم الرأي – مُحاولة لتقنين وجود المليشيا في البيوت المنهوبة والمواقع السليبة التي سطوا عليها بالغدر ولم يأخذوها (حمرة عين)، بعد أن نكثوا العهد، وخانوا الجيش والشعب السوداني، وأصبحوا مطيةً في يد الإمارات ومن خلفها، كما أنهم – اي السودانيين – يخافون من إعادة إنتاج الاتفاق الإطاري، وتخليص المليشيا المتمردة من ورطة اتفاق جدة التي ألزمتهم بمُغادرة بيوت المُواطنين والمواقع الخدميّة والأعيان المدنية.
مخاوف السودانيين مشروعة ومُبرّرة، ولو كانت أمريكا التي تخدعنا في كل مرة حريصة على السلام لما كلفها الأمر اقتراح منبر جديد في جنيف، وكان عليها إلزام المليشيا بما تَمّ الاتفاق عليه في جدة.
مفاوضات جنيف سادتي ستقترح وقفاً لإطلاق النار، بالطبع يمنح المليشيا فرصة لالتقاط الأنفاس، ويهبها مهلة للخروج من وحل الخريف الذي يُؤزِّم موقفها الميداني، ويحكم على عملياتها بالفشل الذريع ويجعلها (مجغومة) لا. محالة في اية مواجهات مع الجيش، كما انه يوفر لها فرصة لإعادة (التشوين) تحت ذرائع إدخال الإغاثة وحيل أخرى.
تعلم الحكومة وجيشها كذلك أن الولايات المتحدة الأمريكية، اقترحت إدخال الإمارات الراعي الرسمي للمليشيا والكفيل الإقليمي لآل دقلو في منبر التفاوض، الموافقة على هذا الطلب سيسقط كل دعاوى السودان ضد دولة الشر هذه، ويذهب بكل جهود الدولة لإثبات دعمها للتمرد أدراج الرياح، وسيعينها على الخروج من المازق الأخلاقي الذي حشرها فيه السودان، وسيوفر لها فرصة للنجاة لن تتأتى لها وإن دفعت كل ثروتها التي تستخدمها في تدمير البلدان والشعوب.
والشعب السوداني يخشى كذلك أن نستجيب لأمريكا في مسعاها الواضح لقطع الطريق أمام علاقاتنا المباشرة مع روسيا، وحينها لن نحصل على (بلح) السلام عبر الولايات المتحدة و(لا عنب) روسيا التي ظلت تساندنا بقوةٍ، إيماناً منها بعدالة قضية السودان وشعبه في مواجهة تمرد المرتزقة الغاشم المدعوم من دول عديدة، في مقدمتها الإمارات العربية المتحدة..!!!
نعم استجابت أمريكا لشواغل الحكومة، ولا أقول شروطها، وأرسلت مبعوثيها للتشاور مع وفدنا الذي وصل إلى جدة أمس بقيادة وزير المعادن محمد بشير أبو نمُّو، اجتماعات السعودية ستنتهي بعد غد الاثنين، بينما الموعد المضروب لمفاوضات جنيف يوم الأربعاء، فهل ستكون فترة اليومين كافية لتقييم النتائج واتخاذ القرار التاريخي حول مشاركة الجيش أو الحكومة في المفاوضات أم إن الأمر معد سلفاً، وما (جدة) إلّا محاولة إخراج سخيفة للالتحاق بجنيف، وتدريج للصدمة على السودانيبن الذين يرون في المفاوضات نهاية للسودان وآمالهم وتطلعاتهم بحسم المليشيا وإنهاء وجودها للأبد.
على كُلٍّ، نتمنى أن تتريّث الحكومة في الذهاب إلى جنيف، وأن تخضع اجتماعات جدة للتقييم الكافي، قبل توريط البلاد في ما لا يُحمد عقباه، وعليها التمسُّك بـ(منبر جدة)، وعدم الدخول في أي تفاوض جديد إلّا بعد خروج آخر مليشي وفقاً للالتزامات السابقة، وعليها أن لا توافق مُطلقاً على وجود الإمارات كمراقب في أي مفاوضات قادمة إن كانت حريصة على سلام يحفظ عزة البلد وأهلها وإلّا فإنّ على السودان السلام…