من دفتر مقاربات ومقاربات  قصاصات مبعثرة ————————– الحكومة المنتخبة..والثورة الملونة ..!

د/ م/نجاة الامين عبدالرحمن

ثبت بما لا يدع مجالا للشك،ان الثورة حادث خطير فى تاريخ الشعوب ، لما لها من اثار كارثية على الشعب والثوار معا ،لان عدم نجاح الثورة سيؤدى لعدم تحقيق النتائج المطلوبة من التغيير المنشود والعكس بالعكس ..والثورة فى التعريف العام هى حركة سياسية فى البلد يحاول فيها الشعب اخراج السلطة الحاكمة بالقوة او سلميا ،فمفهوم الثورة بشقيها التقليدى (الكلاسيكى) والحديث. فالثورة التقليدية هى قيام الشعب بقيادة نخب طلائع (البوليتارية) من مثقفيه لتغيير نظام الحكم بالقوة ، (مثال قيام الثورة الفرنسية والثورة الروسية-القيصرية )،اما الثورة الحديثة فهى تعنى التغيير الكامل لجميع المؤسسات والسلطات الحكومية فى النظام السابق لتحقيق طموحات التغيير لنظام سياسى نزيه عادل يوفر الحقوق الكاملة والحرية والنهضة للمجتمع ،ومن باب المعرفة نشير الى عوامل نجاح الثورة وهى يمكن ان تحدد فى ثلاث شروط فى مجملها تمثل الاسباب الهامة لاحداث الثورة الحقيقية وهى :

اولا :الشروط الموضوعية:

– ازمة الطبقة العليا الحاكمة ،وعدم قدرتها على التعايش مع المحتجين لحد ما اى عدم امكانيتها الحفاظ على الحكم دون تغيير او استجابة لمطالب المحتجين

– زيادة بؤوس الطبقات المطهدة.

– زيادة النشاط الجماهيرى وقدرته على العمل الثورى واستمراره مما يحقق كسر جبروت الحاكم وزعزعة الحكومة.

ثانيا : شرط توفر المحرك او الدافع العاطفى :

ويقصد به اى مؤثر حسى او واقعى(حادثة) يكون له دور فى احداث التفاف او تعاطف يعمل على زيادة الحراك الثورى من قبل الثوار او اللاعبين الخارجين والدافع الواقعى كمقتل اوجرح او اعتقال احد الثوار او مؤيدى الثورة اما الدافع الحسى قد يكون بصرى و ياخذ اشكال مختلفة وقد يكون مصمم فى صور حيوان او اشجار او قد تكون رموز او مجسمات له دور فى تحريك العمل الثورى او قد تكون سمعية كهتافات الثوار او الاناشيد الوطنية او الثورية

ثالثا: شرط توفر الحالة الثورية : وهذه تفيد استعداد وجاهزية الثوار والشعب للحراك الثورى واستمرار عمليات الاحتجاج وتغذية الشارع بالثوار والمؤيدين سلميا او باستخدام العنف ..

وعلى نفس وتيرة تناول مفهوم الثورة نشير الى ظاهرة جديدة شاعت وسادت فى عصرنا اليوم و هى اطلاق صفة او اسم يضاف للثورة مثل الثورات الملونة او ثورات الربيع العربى او ثورات شعبية او ثورات انتفاضة او ثورات (انقلاب).. فى الحقيقة ان هذه الثورة المضاف لها الصفة او الرمز لاتختلف عن تعريف الثورة بمفهومها العام او التقليدى او الحديث ،ولتوضيح ذلك نقف عند تعريف الثورة الملونة وخصائصها فهى ظاهرة خاصة فى الحركة الاحتجاجية و تطلق على اعمال الحركات والعصيان المدنى واعمال الشغب او الحركات المطلبية فى بعض الدول،وهى تهدف سياسيا الى اجراء عملية تغيير النظام تحت ضغط احتجاجات واسعة فى الشوارع وغسل العقول للشباب وعادة هذه الثورات تمول بدعم من المنظمات الاجنبية غير الحكومية كما يمكن اعتبار الثورة الملونة ثورة محاكاة اى تحاكى الثورات الاجتماعية والسياسية ،وسميت هذه الثورة بالملونة لان الثوار يتخذون لون او شعار او رمز لثورتهم قد يكون هذا الرمز شجرة او صورة حيوان فنذكر بعض الثورات كمثال منها ثورة الياسمين-تونس،ثورة اللوتس-مصر ..الخ..وهذه بعض من الخصائص التى تتسم بها الثورة الملونة:

-الثورة الملونة محاكاة تحاكى الثورات الاجتماعية والسياسية.

-الثورة الملونة مجرد فكرة او افكار جديدة ،قد تكون افكار ليبريالية غربية ربما تكون اكثر راديكالية .

الثورة الملونة ميالة لاستخدام التقانات الحديثة وتقنية التسوق الشبكى ،وادارة اعلاناتها فى حراكها الثورى.

-الثورة الملونة لديها ممولين وداعمين خارجين.

وفى مقاربة بسيطة بين مفهوم الثورة التقليدى والحديث والثورة الملونة نجد توفر عوامل نجاح الثورة فى كل.. واما عند المقارنة نجد ان الثورة التقليدية (الكلاسيكية) فى مراحلها الاولى قد تكون ثورات فكرية،روحية،اخلاقية،اى تنطلق من الوعى العام (نظام القيم) اى المجتمع العام بمعنى ان جوهر الثورة يتواجد فى الفكرة الخاصة للمذهب الايدولوجى الجديد الذى يشكل القيم والمعنى الانسانى فى مشروع تاريخى جديد ،بخلاف مفهوم الثورة بمعناها الحديث والثورة الملونة الذى تم زكره سابقا ،بالاضافة الى ان خصائص الثورة التقليدية عادة تتصف بالدموية والعنف بعكس الثورة الحديثة التى تتصف بالسلمية ..

والسؤال الذى يطرح نفسه..

هل ثورات السودان ملونة ام من ثورات الربيع العربى؟ وقبل الاجابة على هذا السؤال نذكر هذه الحقائق للتذكير وهى وباختصار ،ان ثورات السودان الثلاث بالتحديد ثورة اكتوبر- ثورة رجب ابريل (الانتفاضة) -ثورة ديسمبر المجيدة،تعتبر من الثورات الحديثة وانها لا تتصف بالدموية او العنف وهى ثورات سلمية .. وهذا مااثبته التعريف العلمى للثورة (سبق زكره) ،كما وان ثورة اكتوبر من اعظم الثورات الشعبية فى الوطن العربى وافريقيا والعالم كما و ان هذه الثورات جميعها ثورات ناجحة لاستيفاها كل عوامل نجاح الثورة و عند اتخاذ شرط المحرك او الدافع العاطفى نسترجع من خلاله اسباب نجاح (ثورة اكتوبر) و بمقارنة بسيطة لمعرفة مدى توفر هذا الشرط او عدمه حيث اظهرت النتائج توفر هذا الشرط حيث اطلاق الرصاص على طلاب جامعة الخرطوم (ندوة مناقشة الدستور والجنوب) كان محرك قوى لاشعال الثورة حيث اصيب الشهيد الطالب بابكر حسن عبد الحفيظ الذى نقل الى المستشف وتوفى لاحقا، بعد الشهيد الطالب احمد القرشى (وكان القرشى شهيدنا الاول ).. ونذكر كذلك هتاف الثوار (القصر حتى النصر) بعد تشيع الشهيد القرشى، الذى كان له اثر فى زيادة حشد الثوار ومؤيدين الثورة ..فالشاهد ان الدافع الحسى خاصة السمعى كان له دوركبير فى زيادة الحراك الثورى اثناءه وبعده اضف لذلك قصائد واناشيد ثورة اكتوبرالاخضر (الاكتوبريات) التى كانت الملهمة ..والشعلة المتقدة،ووقود الثورات فكانت تلهب الحماس الوطنى لجيل الثورة انذاك ..واجيال لم تعاصر الثورة.. واجيال واجيال حتى الان..و نذكر منها للتذكير:(لما يطل فى فجرنا ظالم -نحن رفاق الشهداء-ياثوار اكتوبر يا صناع المجد-ياصحو الشعب الجبار-سندق الصخر حتى يخرج الصخر لنا زرعا وخضرا -باسمك الاخضر يااكتوبر الارض تغنى والحقول اشتعلت قمحا ووعدا وتمنى-شعبك يابلادى شعبك اقوى واكبر مما كان العدو يصور-شهر عشرة حبابو عشرة -ابقوا عشرة على المبادئ..) وبالمثل اظهرت الشواهد ان ثورة ديسمبر المجيدة وخاصة سيناريو مقتل الشهيد الاستاذ احمد الخير.. واطلاق الرصاص على ثوار البرارى واصابة الدكتورالشهيد بابكرعبد الحميد خريج طب جامعة الرباط الوطنى بمنطقة برى الدرايسة كان دافع كبير لزيادة الحراك الثورى واكتمال التفاف الشعب والثوار .. كماو نذكر اقوى هتاف كان له اثر فى ايقاد شرارة الثورة و هو دافع قوى لالتفاف الثوار حول ثورتهم و هو (حرية-سلام-عدالة)والثورة خيار الشعب .

وهذه اجابة مختصرة للسؤال المذكور مسبقا هل ثورات السودان من الثورات الملونة ؟فى اعتقادى وعلى العموم والظاهر، واستنادا لخاصية احد عوامل انجاح الثورات التى تنص على ان الثورة الملونة محاكاة للثورات اى تحاكى الثورات الاجتماعية والسياسية والتى جوزت تضمين ثورات الربيع العربى من ضمن الثورات الملونة(مجازا) وعليه يمكن ان تصنف ثورة اكتوبر فقط من ثورات الربيع العربى بل سابقة لكل ثورات الربيع العربى فى الوطن العربى وافريقيا.. كما يمكن تصنيف ثورة ديسمبر المجيدة بانها ثورة شعبية رغم توفر عامل المحرك او الدافع العاطفى و توفر استخدام التقانات الحديثة ،وتقنيةالتسوق الشبكى وادارة الاعلانات وظهور (تجمع المهنين) كاداة لحشد الثوار ، التى تصف الثورة بانها ملونة متى ماتوفرت هذه الخصائص .. اما عن ثورة رجب ابريل فهى اسم على مسمى منذ انطلاقها فهى انتفاضة فلا يمكن الاختلاف عليها ..وهذه امثلة لبعض ثورات اخذت اضافة تسميتها من حراكها الثورى اى منذ ميلادها :الثورة الفرنسية الشعبية(انتفاضة)- ثورة امريكا اللاتينية (انقلاب) -وهذه بعض من امثلة لثورات خلدها التاريخ نزكر منها للتمثيل لا للحصر : الثورة الفرنسية اوثورة اوربا الشرقية وهذه انتفاضة ضد الحكم الظالم- ثورةامريكا اللاتنية وهذه ثورة فى حالة (انقلاب)- ثورة تحرير الجزائر-الثورة الانجليزية المجيدة-الثورة الامريكية-فرجينيا-الثورة الفرنسيةاللبيريالية،هايتى،سجن الباستيل الثورةالبلاشفيةروسياالقيصرية،فلاديمير،ليون،تروتسكى-الثورة العرابية،احمد عرابى-الثورةالصينية-ثورةالبروليتاريةالروسية بقيادة ستالين ضد الامبريالية الامريكية-الثورة المهدية -الثورة الكوبية بقيادة كاسترو-الثورة الايرانية بقيادة اية الله الخمينى ضد شاه ايران محمد رضا بهلوى-ثورات السودان: اللواءالابيض-ثورة اكتوبر الاخضر 1964م-ثورة رجب ابريل 1985م (الانتفاضة)-ثورة ديسمبر المجيدة 2018م

وللتذكير نشير الى ثلاث ثورات عظيمات مرت ببلادى وهى المذكورة اعلاه ، جميعها افضت الى التغيير المنشود وهذا كان من اهم اسباب نجاحه هذه الثورات الناجحة كما وان هذا التغيير بدوره قاد الى حكومتين منتخبتين وواحدة انتقالية.. ولكن هيهات هيهات سرعان ما اسقطت الحكومتين المنتخبتين بانقلابين69 و89 مكثا على صدرهذا الوطن العزيز الاول زهاء ستةعشر عام ، والثانى مكث ثلاثون عاما وهذا الاخير خلع بثورة مجيدة افضت الى حكومة انتقالية مازلنا نعيش ارهاصاتها حتى الان.. ومن باب المفيد المختصر نشير الى ان الثورة بمختلف مسمياتها سواء كانت ثورة ملونة او ثورة الربيع العربى و هذه الاخيرة وضعت ضمن الثورات الملونة(مجازا) لاتصافها بانها ثورة محاكاة اى تحاكى الثورات الاجتماعية والسياسية وهذه الثورات بمختلف مسمياتها فهى تحمل عوامل نجاحها من خلال التزام الثوار بالمحاذير الوقائية حماية لثورتهم من الاختطاف او السرقة ،وذلك بان يسرع الثوار فى طرح او تسمية زعيم او حامل لواء الاحتجاجات. وبالمثل كما ان هذه الثورات تحمل اسباب نجاحها كذلك تحمل اسباب فشلها وذلك يظهر جليا عندما تواجه الثورة باستبداد الحاكم الدكتاتور وبطانته الفاسدة وقدرتها على اخماد الثورة وذلك باستخدام او اتباع الاجراءات غير الشرعية او غير القانونية كالقمع ،الاعتقالات، التخويف..الخ..كذلك تفشل الثورة عندما تصطدم بنظام حكم يرتكز على حزب تعددى او شمولى، او انتماء الحاكم الطاغية المراد تغيره الى مذهب عقدى.. لذلك لابد من الانتباهة وتوخى الحذر والمحاذير لتفادى عدم نجاح الثورة لاى سبب من الاسباب لان ذلك سيؤدى الى زيادة مناعة وبطش الحاكم الطاغية الذى سيلجاء لاستخدام القوة القابضة لقمع او كبت او كبح جماح الثوار وذلك باستخدام اعنف السبل لحماية حكمه وبسطه ..والامثال كثيرة لثورات اخمدت ومنها ماذهب ادراج الرياح هباءا ..هذه امثلة لفشل بعض ثورات الربيع العربى لا للحصر..(ثورة17 فبراير/ليبيا-ثورة سوريا 2011م ..الخ..) . ومن باب المعلوم بالضرورة ان الثورات هى السبب الرئيسى فى انجاح التغيير وتحقيق احلام وتطلعات الثوار فى الوصول لحكومة منتخبة نزيه وعادلة..وكما الثورات تتعرض للفشل والاخماد فان الحكومات المنتخبة والحكومات الانتقالية عرضة للفشل والاسقاط و للتاريخ ومن باب التذكير والذكرى ان الذكرى تنفع المؤمنين.. نذكر هنا فقط و للتمثيل لا للحصر.. اهم اسباب سقوط الحكومة المنتخبة الثانية بقيادة الصادق المهدى وهى:

– كانت الحكومة بقيادة الصادق المهدى ضعيفة حيث اعطيت السلطة لوكلاء الوزارات لتسيير امور الدولة وهؤلاء كانوا موالين لحكومة مايو (الاتحاد الاشتراكى) .

– الحكومة المكونة من احزاب (الامة،الاتحادى الديمقراطى،الجبهة الاسلامية) تابعة وطيعة لاملأت الاطراف الخارجية ( المجتمع الدولى) وكما وانها كانت مهددة من الداخل.

– ضغوط المجتمع الدولى ومنع تقديم العون والعتاد لسحق التمرد بجنوب السودان الذى اهلك الدولة اقتصاديا.

– حل جهاز امن الدولة وتشريد ضباطه مما جعلهم يقفون الى الجانب الاخر المضاد لحكومة الانتقاضة.

– سياسة الاقصاء الممنهج والمجحف وزيادة استعداء بعضهم فلول نظام مايو (السدنة)مما ادى ذلك لزيادة عداوة السدنة لحكومة الانتفاضة مما سرع بسقوطها .

– حركة تمرد جنوب السودان صارت تزحف نحو الشمال باستمرار حتى اخترقت جبال النوبة والنيل الازرق .

– كارثة فيضان 1988م.

– فشل السياسة الاقتصادية فكان هنالك شح كبير فى السلع الضرورية وتدهور قيمة الجنيه السودانى.

– عقم او عدم وجود حلول للمشكلات الاقتصادية وعدم وجود استشاريين فى مجالات الزراعة والاقتصاد..عم الكساد كل سلاسل الانتاج والخدمات لعدم مقدرة الشراء لشح السيولة،وظهور صفوف البؤس والشقاء (صفوف العيش-صفوف الوقود-صفوف السكر…الخ..)

– تفشى ظاهرة اخذ الناس حقوقهم بانفسهم دون الرجوع للجهات العدلية بحجة ممارسة الديمقراطية والحرية (خاصة عند طبقة البوليتارية ) فسادات الفوضى وتفشى الانفلات الامنى.

– قصر افق طاقم الحكومة ودورها المتغلب فى السياسة الخارجية مما ادى الى عدم ثقة المجتمع الدولى والاقليمى لمنح السودان القروض والمنح مما زاد معاناة الشعب السودانى البطل .

فهذه بعض من كل اسباب سقوط الحكومة المنتخبة الثانية وذلك من باب العظة والاعتبار ..يابلادى.

انتهى،،،

نوفمبر2024م

أقرأ أيضًا
أكتب تعليقك هنا