جسور النور: السودان يُحاور العالم في “بيت العرب”
متابعة - الجمهورية نيوز
جسور النور: السودان يُحاور العالم في “بيت العرب”

جسور النور: السودان يُحاور العالم في “بيت العرب”
متابعة – الجمهورية نيوز – تحت سقف جامعة الدول العربية العريق، وفي لحظة فارقة من تاريخنا المعاصر، لم يكن المؤتمر الفكري العربي “صورة العرب وحوار الثقافات.. رؤى مستقبلية” مجرد تجمع أكاديمي، بل كان استدعاءً لروح الحضارة في وجه العواصف. وبينما كانت أروقة “بيت العرب” تضج بالنقاشات حول تصحيح الصورة النمطية وتفكيك خطاب الكراهية، كان للسودان حضور طاغٍ، ليس فقط كعضو مشارك، بل كمنارة فكرية وقوة ناعمة تُثبت أن النيل لا يحمل الماء وحده، بل يحمل الوعي والتاريخ.
لقد تشرفت بحضور هذا المؤتمر ممثلاً لمكتب السودان في الاتحاد العربي للإعلام والثقافة، وبالإنابة عن رئيسة المكتب الدكتورة “ست البنات الحسن”، وضمن وفد سوداني رفيع المستوى ضم قامات فكرية وصحفية لها وزنها، من بينهم الدكتور يحيى عبد الحليم، والزميلة الصحفية سارة الطيب. هذا التمثيل المكثف بعث برسالة واضحة: السودان، رغم جراحه وتحدياته، يظل رقماً صعباً في معادلة الثقافة العربية، ومساهماً أصيلاً في صياغة “الرؤية المستقبلية” التي ينشدها المؤتمر.
لا يمكن الحديث عن هذا المؤتمر دون التوقف طويلاً عند المشاركة الاستثنائية للأستاذة انتصار صغيرون، وزير التعليم العالي والبحث العلمي الأسبق، التي قدمت ورقة علمية اتسمت بالعمق والجرأة. لقد وضعت صغيرون إصبعها على الجرح، مشددة على أن الحوار مع الآخر يبدأ من جودة التعليم وتوطين المعرفة، وأن الصورة الذهنية للعرب لن تتغير بالخطابات الإنشائية، بل بالإنتاج الفكري الذي يفرض نفسه على الساحة الدولية.
المؤتمر الذي نظمته المنظمة العربية للحوار والاتحاد العربي للإعلام والثقافة برئاسة الأستاذة الدكتورة حنان يوسف، بالتعاون مع إدارة منظمات المجتمع المدني بالجامعة (بإشراف الوزير المفوض د. نوال برادة)، نجح في حشد نخب عربية وازنة. فوجود السفير محمد العرابي، والسيد أحمد الجروان، واللواء طارق المهدي، منح النقاشات صبغة “الدبلوماسية الفكرية”، حيث تحولت القاعة إلى مختبر للأفكار التي تسعى لنزع فتيل التمييز والعنصرية.
لماذا هذا المؤتمر الآن؟ لاننا نعيش في زمن “السيولة الإعلامية”، حيث تُصنع الصور الذهنية في غرف الأخبار الموجهة وخلف خوارزميات وسائل التواصل الاجتماعي. لذا، فإن الدعوة التي أطلقها المؤتمر لتعزيز “حوار الثقافات” ليست ترفاً، بل هي ضرورة وجودية. بالنسبة لنا في السودان، فإن انخراطنا في هذا الحوار هو تأكيد على هويتنا المتعددة الأبعاد، وقدرتنا على تقديم نموذج للتعايش السلمي والاحترام المتبادل.
لقد خرجنا من أروقة جامعة الدول العربية ونحن أكثر إيماناً بأن “الكلمة” هي الجسر الأقوى. إن تكريم الرموز الدبلوماسية والفكرية في ختام المؤتمر كان تكريماً لكل من يؤمن بأن الحوار هو البديل الوحيد للصدام.
إن حضور السودان المكثف في هذا المحفل، ومشاركتنا في مكتب الاتحاد العربي للإعلام والثقافة، هي خطوة في طريق طويل لاستعادة دورنا الريادي. فالعرب اليوم يحتاجون إلى السودان بقدر ما يحتاج السودان إلى حاضنته العربية، لنرسم معاً صورة تليق بمستقبل أبنائنا، بعيداً عن الصور النمطية المشوهة.

