المقدمات في الطب .. المقدمة الرابعة .. د. حسام الدين سليمان حسين محمد

 

سُئلَ رسول الله عن النبي صلى الله عليه وسلم : هل ينفع الدواء من القدر ؟ ، فقال : “الدواء من القدر و قد ينفع بإذن الله تعالى” .

من اعظم المنتخبات من تذكرة اولى الالباب لداود الانطاكي و اجلها نفعا نعت وصفة من ينتدب لهذه الصناعة عند الاقدمين بعد ان يلتمس الاهلية ليفتح الله له باب هذا العلم و ان رأى غير ذلك فلا يتردد فهذا شان اهل التقى و كل ميسر لما خلق له و خير شاهد على هذا الامام النووي المحدث صاحب التصانيف و المؤلفات التي لاقت القبول الى يوم الناس هذا و ثقتنا بالله ان علمه موصول غير منقطع فيما خصه الله به . ذكر الإمام السخاوي في كتابه: “فتح المغيث شرح ألفية الحديث”، قال الإمام النووي: “وخطر لي الاشتغال بعلم الطب، فاشتريت القانون (لابن سينا) وعزمت على الاشتغال فيه، فأظلم عليَّ قلبي، وبقيت أيَّامًا لا أقدر على الاشتغال بشيء، ففكرت في أمري: من أين دخل عليَّ الداخل، فألهمني الله أن اشتغالي بالطب سببه، فبعت في الحال الكتاب المذكور، وأخرجت من بيتي كل ما يتعلق بعلم الطب فاستنار قلبي ورجع إلى حالي، وعدت لما كنت عليه أولاً”.

ينبغي لهذه الصناعة الاجلال والتعظيم والخضوع لمتعاطيها لينصح في بذلها وكشف دقائقها ……، وينبغي تنزيهه عن الأراذل والضن به على ساقطي الهمة لئلا تدركهم الرذالة عند الدعوة إلى واقع في التلف فيمتنعون أو فقير عاجز فيكلفونه ما ليس في قدرته

ومن ذلك ان _ ابقراط كان يأخذ العهد على متعاطيه فيقول له: برئت من قابض أنفس الحكماء و فياض عقول العقلاء و رافع أوج السماء، مزكى النفوس الكلية وفاطر الحركات العلوية إن خبأت نصحا أو بذلت ضرا أو كلفت بشرا أو تدلست بما يغم النفوس وقعه أو قدمت ما يقل عمله. عرفت ما يعظم نفعه، و عليك بحسن الخلق بحيث تسع الناس ولا تعظم مرضا عند صاحبه ولا تسر إلى أحد عند مريض ولا تجس نبضا و أنت معبس و لا تخبر بمكروه و لا تطالب بأجر وقدم نفع الناس على نفعك واستفرغ لمن ألقى إليك زمامه ما في وسعك فان ضيعته فأنت ضائع وكل منكما مشتر وبائع والله الشاهد على و عليك في المحسوس والمعقول والناظر إلى وإليك والسامع لما نقول فمن نكث عهده فقد استهدف لقضائه إلا أن يخرج عن أرضه وسمائه وذلك من المحال فليسلك المؤمن سنن الاعتدال . ترجم قسم أبقراط و كيّفه من اليونانية إلى العربية حبيش بن الاعسم و هو ابن أخت حنين بن اسحق وأحد تلاميذه ـ وأثبته ابن ابي اصيبعة في فصل خاص من كتابه “عيون الانباء في طبقات الاطباء” و قد دخل هذا القسم لاحقًا إلى اللاتينية ثم إلى اللغات الأوروبية الحية، و رجع إلى العرب في صيغته الإنجليزية أو الفرنسية، ليتم تكييفه من جديد في غالب البلدان العربية و قد كثر الاقتباس منه كما في وثيقة جنيف عام 1948م و القسم الامريكي بتعديلات لويس ليزان 1964م و قسم الطبيب السوفيتي 1971م و قسم الاطباء الروس 1999م و قسم الطبيب المسلم المؤتمر العالمي الأول للطب الإسلامي 1981م

و قد كانت اليونان تتخذ هذا العهد درسا والحكماء مطلقا تجعله مصحفا إلى أن فسد الزمان وكثر الغدر وقل الأمان واختلط الرفيع بالوضيع (فالله يحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون ) سورة البقرة 113 (وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون) سورة الشعراء 227 و قال بعض شراح هذا العهد إنه قال فيه ويجب اختيار الطبيب حسن الهيئة ، كامل الخلقة ، صحيح البنية ، نظيف الثياب ، طيب الرائحة ، يسر من نظر إليه ، و تقبل النفس على تناول الدواء من يديه ، وأن يتقن بقلبه العلوم التي تتوقف الإصابة في العلاج عليها ، و أن يكون متينا في دينه ، متمسكا بشريعته ، دائرا معها حيث دارت واقفا عند حدود الله تعالى و رسوله، نسبته إلى الناس بالسواء ، خلي القلب من الهوى، لا يقبل الارتشاء، ولا يفعل حيث يشأ، ليؤمن معه الخطا، و تستريح إليه النفوس من العنا.

قال جالينوس وهذه الزيادة منه بلا شك ولا ريبة فمن اتصف بهذه الأوصاف فقد صلح لهذا العلم، إذ هو صناعة الملوك وأهل العفاف.

فان قيل : لا ضرر ولا نفع إلا بقضاء الله وقدره

قلنا : مع ما ذكر من الشروط و الاحترازات من ذلك كما أرشد إليه صلاة الله وسلامه عليه حيث سئل (أيدفع الدواء القدر؟ بقوله: الدواء من القدر) فرحم الله من سلك سبيل الانصاف، وترك التعسف والخلاف، و أحل كلا محله ومقامه، ولم يتبع آراءه وأوهامه، والسلام.

 

د.حسام الدين سليمان حسين محمد

مستشار الجراحة و جراحة الصدر روسيا الاتحادية 2020م

أقرأ أيضًا
أكتب تعليقك هنا